11 أبريل 2011





عقوق حارس الأمن ووفاء معلمه بلا مَن
     

ذ. رشيد لعناني


  عض حارس الأمن يد معلمه الذي علمه حرفا بل حروفا، لطالما سدد عثرته و غض الطرف عن تلعثمه و سهر الليالي ليعد له الدروس كغيره من أطباء و مهندسي و ولاة و قضاة اليوم؛ لطالما كان الشمعة التي تحترق تدريجيا لتوصله إلى منصبه الحالي فينسى على التو أن وراءه عظماء من المعلمين و المعلمات على اختلاف أسلاكهم.؛ لطالما صبر على جفائه و قلة إدراكه و سوء حفظه و ضعف عزيمته و لكن أبى إلا أن يضربه ضربا مبرحا بعصا غليظة طويلة عريضة ليطرحه أرضا مضرجا في دمائه، غائبا عن العالم حوله، و إخوانه حوله منهم من يصرخ و منهم من يسعف.

  أين أنت يا من ينتظر منه حفظ الأمن من قول الأديب الفقيه أبي عبد الله الشافعي:
تصبر على مر الجفا من معلم      فإن رسوب العلم في نفراته
و من لم يذق مر التعلم ساعة        تجرع ذل الجهل طول حياته
أين أنت يا من ينتظر منه حفظ الأمن من قول أمير الشعراء شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيـلا      كاد المعلم أن يكون رسولا
إياك أن تقول أن هذا كلام مسطر في الكتب الصفراء كمقولة "القناعة كنز لا يفنى" تالله إن هذا لصواب لا مرية فيه و لكنك لا تفقه شيئا البتة.
  قد تقول أن هذا العمل و قوت اليوم، لكن العمل له ضوابط وإلا ستضرب أمك و ابنك و أخاك  و أختك إن كانوا في نفس الموقف لا سيما أنهم يرفعون شعارات، مفروض فيها أن تكون عادلة و غير مجانبة لأصول الأدب و الاحترام! هم لم يرفعوا سلاحا و لم يضربوك بالحجارة. أضف إلى ذلك أن لهم منصبا ماليا و رقم تأجير، أما الذين لا عمل لهم منذ قرابة عقدين من الزمان هل ستكسر ضلوعهم و أصداغهم و البنات اللاتي أشفين على الأربعين بعد طول انتظار لوظيفة تسد الرمق و عريس يستر العرض أنشبعهن ركلا و رفسا؟!
  لابد من وقفة مع الذات يحاسب فيها المرء نفسه  يعمل فيها عملا صوابا و يعد للسؤال جوابا  فوق الأرض قبيل يوم العرض، يوم يتمنى المرء أن تنشق الأرض و يندس فيها كديدان الأرض و كالجعل أو الخنفساء الحقيرة على أن يفضح على رؤوس الأشهاد.
  كيف تضرب من علمك حرفا و ترديه المهالك في هذه الظروف الأكثر من حرجة التي يمر بها العالم العربي؟ أتأمن أن يكون هذا الفعل فاتحة سيول من الاحتجاجات التي لا آخر لها و مقاطعة للامتحانات التي تعتبر خطا أحمر بالنسبة للدولة لأن نتائجها مرتبطة بدول أوربية مستقبلة لجحافل من الطلبة المغاربة؟ هب أن حراس الأمن على اختلاف أضرابهم حرسوا الامتحانات من سينهي الدروس في الفصول و يعطي نقط الاستحقاق؟ أكثر من سؤال ينبغي أن يطرح للوقوف على المعضلة و الخروج من الأزمة. ما أسهل الضرب و لكن ما أصعب رأب الصدع الذي يحدثه!
  أصبح العالم قرية صغيرة جدا و الأخبار تصل في أقل من ثانية بالصوت و النص و الصورة و ما شاهده الناس يوم 26 مارس 2011 يصيب المرء بالذعر و يجعله ينفض يده من كل شيء عندما يرى أن أشرف شيء، أحب من أحب و كره من كره، و هو التعليم يشيع إلى مثواه غير الأخير دون كفن أو سدر أو غسل. إذا أصيبت الأمة في تعليمها أصيبت مقاتلها، آنذاك كبر عليها أربعا لوفاتها و تأكد أن لا خير آخر يرجى بعد ذلك. أنظر إن شئت مقالي المتواضع "تشييـع التعليـم الهشيم اليتيم" لتكتمل الصورة شيئا ما لديك عزيزي القارئ النجيب.
  كانت النتيجة المباشرة لهذا القمع الصارخ الجافي تضامن رجال و نساء التعليم في ربوع المملكة بإضراب وطني يليه آخر جهوي في بعض الجهات و الله وحده يعلم ما يختزنه القدر. ما أشين العنف لاسيما ممن يفترض فيه السهر على توفير الأمن و ما أجمل الرفق في الأمور كلها. قال خير الورى محمد المجتبى في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيء إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ". وروى مسلم عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "مَنْ يُحْـرَمِ الرِّفـْـقَ يُحْرَمِ الْخَيــْرَ ". و روى مسلم أيضاً عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ  يَا عَائِشَةُ "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ ".
  ما أجمل لين الجانب بالقول ثناء و رقة و أمرا بخير و معروف و بالفعل تجنبا للهراوة أو العتلة و سكب الماء الساخن على العباد و إسالة الدموع بالمواد السامة. لا يحسن أبدا أن نضرب المعلم خصوصا الذي أفنى عمره في أنفس جوهرة و أغلى شيء و هو التعليم، نعم التعليم، و لو كره الكائدون و اغتاظ الماكرون. لا ينبغي أن يضرب أو يهان سواء كان محقا أو غير محق لأنه لم يشهر سلاحا و لم يضرب أحدا. إعلم، يا رعاك الله، أن المعلم هو من ربى الأمير و الرئيس و الوزير و القائد و الضابط و القاضي و الوالي و غيرهم كثر. الأمة التي تهين معلميها جاحدة بتراء لا بركة فيها و لا خير.
  يا ليت قومي يعلمون و يستمعون القول فيتبعون أحسنه لعلهم يجبرون و يسعدون و إلى قنة الرقي يصعدون. أسمعت لو ناديت حيا و أوجعت لو حيا أصبت و لكن ما لجرح بميت إيلام.