19 مايو 2011




خطبـــة القذافـــي الثانيـــة
 قبيــــل الضربـــة القاضيـــة


ذ. رشيد لعناني
أنا مختبئ في جحر العزيزية، منه أمسك بالقبضة الحديدية على الأرملة و الثكلى و الصبية، فالدم لا يفسد عندي للود قضية و القتلى، عفوا الجرذان أيام حياتهم لا يحتاجون إلى دية، قوضت الأفنية و الأبنية و الأخبية، فيا ويلي كم من رزية و بلية و دور مخلية، أأتحمل وزرها وحدي؟ تريدون عيشة راضية مرضية و أكلة مشبعة شهية و شربة باردة هنية و أقبع ما تبقى من عمري في العزيزية بين دروع بشرية و مرتزقة مشرية و بطانة قالية، فما هذه الأنانية؟
بالنخوة و الأنفة و الحمية أصرف شماتة الشعوب العربية و أستبسل تفاديا لكل ذلة أو أذية بل و أعدي ببسالتي الجارة سورية لتهلك درعا الأبية و يحبس عنها الخبز و المياه النقية و يرهب أهلها كما دمرت مصراتة العلية و حماة السورية التي دكت  قبل عقود دك الوحوش في البرية، لعلي الآن في أحد سراديب طرابلس الخفية، أخاف من خيالي و من البطانة شرقية كانت أو غربية. أحتمي وسط كتلة بشرية حتى تكون الخسارة فادحة مخزية. أما وقد قضى فلذة كبدي فسأضرب ضربات عشوائية.
أتصدى للحملة الصليبية ضد الخيرات الليبية، لا كما تصدى صلاح الدين الأيوبي ابن الكردية الأبية. أحشو الجثث المرمية بالقنابل المجهزة على البقية الباقية و أضرب الجنائز و المقابر و الصوامع العامرة بالجحافل الإرهابية، أسمم المياه الجارية  و أستعين بالجارة الجزائرية و التشادية. أنا نسيج وحدي أيام الجولات السلمية و الحربية. أضع يدي في يد الأحلاف اليهودية، فنجمة داود السداسية على أسلحتي منقوشة جلية، كيف أهدد بالله عليكم الصهاينة و أنا أبرم معهم الصفقات العسكرية، بل و ظهرت خالة لي يهودية تدعي الرحم و القرابة على إحدى القنوات الصهيونية؟
لم تبق إلا العمليات البرية بعد الجوية لتجهز علي أو أنسل من أحد المعابر الخفية عند صديق دربي تشافيز ابن النصرانية، لكن إن أنا خرجت ضاعت مني الألقاب البهية، عميد القادة و ملك ملوك إفريقية و الأخ قائد اللجان الثورية، رباه دار الزمان دورته الحتمية فهذا مبارك جاري ترجل عن جواد الرياسة المغرية و ذاك بن علي ما أخطأته سهام القدر  و لا زلت عن الرمية و ذاك صدام قتلته الويلات الأمريكية.
ما كنت أتوقع من أحفاد المختار الأجلاد هذه البسالة العالية و النجدة الغالية؛ لما حمي الوطيس و اشتد الخطب ما ازدادوا إلا تماديا، زحفوا نحو الكتائب رويدا رويدا مسهم القرح كما مسنا فما تضعضعوا و لا رجعوا القهقرى، ما هم جرذان كما زعمت بل هم أشجع الورى، شهادة عدو في ساحة الوغى فاستمسكوا بها. لا أدري ما يفعل بي و لا بكم فالخبر اليقين يعلمه المولى و ستبدي لكم الأيام ما كنت جاهلا. تبا لدنيا دنية و رعية عصية و فرحة وهمية و سعادة شكلية و رياسة مردية و شهوة مطغية!
 سجل التاريخ رغم أنفي شجاعة الحركة الشبابية، سواعد فتية و عزائم قوية طورت أسلحة الأجداد السهكة الصدئة المرمية و فدت أهلها بدمائها الزكية، كلهم آت يوم القيامة مطالب بدمه مني، ساعتها إن لم أتب و أقبل عند الحضرة العلية أقول بعيد الضربة القاضية يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه.
من يؤرخ ما وقع في همزية أو ألفية أو يصيح بعقيرته الجهورية يظهر الحق للأجيال الفتية بأن دم عمر يسير في الأوعية الليبية و الضمائر المسلمة الحرة الأبية في طريقه فيما بعد إلى تل الربيع و حيفا المنسية؟ من يصد هذه الصدور العارية و الملاحم الغزية و البطولات الإنسية؟ من يحب بعد الآن نخوة القومية العربية الخاوية و عبية الجاهلية و العصبية القبلية؟
هجاني أهل القرطاس لما حدت عن القسطاس و طالب المظلوم بالقصاص و على كل فقد وحلت و حرت و خبت و خسرت و خسئت و سئمت وحر الصدور و رهج الغرور و مقت الجمهور و شماتة أهل الفجور و الدثور و إدبار السرور و إقبال الثبور.