24 مارس 2011


تحذير الرعـــاع من غلبة العاطفة و الاندفــــاع



 كانت فكرة هذا الموضوع تخالج الأعماق إلى أن جاءت رغبة أحد الفضلاء ملحة فلبيت على التو و استدعيت الأفكار علها تطاوعني، بل وضعت في وطاب المخ و مخضت فكانت المحصلة ما ترون أمامكم. بطبيعة الحال لا أحد له مسكة من العقل و حظ من الدين و نصيب من بعد النظر و شيء من الإنسانية يقبل ما قام به القذافي حاكم ليبيا مهما كانت الأمور. و حتى أساهم على غرار عدد غير يسير من الشرفاء كتبت موضوعين في هذا الباب: "الظلم ساعة و الحق إلى قيام الساعة" ثم "خطبة القذافي البار الوفي".
رعاع الناس لغة كما لا يخفى هم سفلة الناس و أراذلهم الذين يفتقدون إلى الصواب و النظام، إذا فزعوا طاروا كالنعامة يصنعون أي شيء، و لو كان قبيحا مقززا لكن، و ليعذرني أئمة اللغة،فأنا أقصد بالرعاع هنا فقط عامة الناس و الكثرة الكاثرة منهم الذين يغلب عليهم الاندفاع فينفسون عن أنفسهم غالبا دون تثبت، و ما أقصد البتة تجريح أحد أو التنقيص منه. أقصد فقط المعنى الذي ذكرت بالإضافة إلى سعيي كالعادة أن تنسجم بداية العنوان مع خاتمته.
 لابد أن يتفاعل مع آلام إخوانه كل من عنده ذرة من إيمان: "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم" كما جاء في الأثر الذي ضعفه أهل العلم و أضعف الإيمان أن يعرف بقضيتهم العادلة في المحافل و المجالس و يدعو لهم بظهر الغيب بإخلاص و يقين. لكن الإشكال، و هذا هو صلب الموضوع، أن يندفع عامة الناس، بصدق و لا شك، لكن دون روية أو تثبت، فيصيروا حاكم ليبيا المنبوذ من الجميع الآن و أصحابه المخلوعين موضوعا للنكت و التهريج و الرسوم "الكاركاترية" و مقاطع الفيديو المستهزئة و ما شاكل هذه الأمور.
 للأسف الشديد، يمرر كل ما ذكرنا آنفا بيسر و دون تركيز أو تفكير في المآلات و العواقب أو سؤال عن الحكم الشرعي، عبر رسائل البريد الإلكتروني إلى الملايين في بضع دقائق؛ ترى العجب العجاب من الأفكار التي تتحول في الحين إلى عزيمة و تذاع في الآفاق، فهذا يصور القذافي برفقة مبارك و زوجه و بن علي في حالة مزرية يتكففون الناس على قارعة الطريق و آخر يصور الحاكم الليبي مع مجموعة من الحكام يرتدون ملابس كرة القدم و ثالث يخرج أغنية من همهمات القذافي التي خرج بها على الناس غير ما مرة و يظهره على الشاشة كأنه هو الذي يغني ورابع يصور القذافي، مبارك و بن علي في شكل رضع يحومون حول أبيهم و راعيهم و مؤويهم عاهل العربية السعودية، يرتدي كل واحد منهم قماطا أو معوزا(جمع معاوز أي الخرق التي يلف فيها الصبي).
غدا السيل الجارف من الرسوم المشوهة للخلقة المنشورة في الآفاق حديث المقاهي و المجالس و القنوات الفضائية دون وازع من دين أو زاجر من فضيلة. أرجو أن لا يفهم البعض أني مع هؤلاء الحكام أناصرهم و أدعمهم حاشا و كلا. بالعكس أريد أن لا يخفف عن هؤلاء من أطنان الأوزار التي اجترحوها ببرودة، بل تبقى عندهم يحملونها فوق ظهورهم يحاسبون عليها جزاء وفاقا.
 ثم ألا يستقيم أن يطالب المرء بحقه، من الظالم الذي تعدى عليه، برفق و خلق جم بعيد عن التجريح و التنقيص و الشتم و القذف؟ تلاحظ هذه العادة السيئة مستشرية في المتظاهرين عموما من أي صنف، لا في هذه الأيام التي تحررت فيها الشعوب من الخوف الجاثم على الأنفس منذ سنين و دب الوعي الراشد في أوصالها، و لا في مظاهرات رجال التعليم أمام النيابات و الوزارات للمطالبة بحقوقهم المهضومة، فهم إن كانوا يرددون شعارات مثلا فهي لا تخلو من إسفاف و خروج عن حدود الأدب و قذف و شتم.
 و كما أومأت إلى ذلك أعلاه فهؤلاء الظلمة طغوا و تجبروا فكانوا على موعد مع قدر الله المذل لهم بعد عزة و الممرغ لهم في الوحل بعد ما كانوا لا يمسون الثرى بنعالهم إلا لماما. وهاكم الآن، مسك الختام، باقة معطرة من الأقوال تكتب بماء الذهب و يرش عليها من خلاصة ماء الورد تنفذ إلى الأعماق لما فيها من الحق الأبلج الواضح وضوح الشمس في رائعة النهار:
 ففي شرح نهج البلاغة - (ج 11 / ص 95)/ النسخة الإلكترونية تقرأ
"ظلم الرعية استجلاب البلية ."
العجب ممن استفسد رعيته وهو يعلم أن عزه بطاعتهم." "
موت الملك الجائر خصب شامل." "
"لا قحط أشد من جور السلطان."
"أيدى الرعيه تبع ألسنتها فلن يملك الملك ألسنتها حتى يملك جسومها ولن يملك جسومها حتى يملك قلوبها فتحبه ولن تحبه حتى يعدل عليها في أحكامه عدلا يتساوى فيه الخاصة والعامة وحتى يخفف عنها المؤن والكلف وحتى يعفيها من رفع أوضاعها وأراذلها عليها"

محل الملك من رعيته محل الروح من الجسد ومحل الرعية منه محل الجسد من الروح فالروح تألم بألم كل عضو من أعضاء البدن وليس كل واحد من الأعضاء يألم بألم غيره وفساد الروح فساد جميع البدن وقد يفسد بعض البدن وغيره من سائر البدن صحيح"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق