29 يناير 2011

حبة البركة لعلاج أدواء الشبكة

رشيد لعناني
وجدة سيتي : 08 - 12 - 2010
حبة البركة لعلاج أدواء الشبكة ذ. رشيد لعناني ليست الشبكة المقصودة هنا شبكة تصريف المياه أو جحر الجرذ أو البئر على رأس جبل إنما هي ببساطة الشبكة العنكبوتية للمعلومات (internet/international network) التي شرع في استعمالها عند بني الأصفر، أو ما يسمى الغرب بلغة العصر منذ عقود من الزمان، مسالكها شابكة وعرة متداخلة، روابطها ذات شجون، و عواقبها في الغالب الأعم مرة وخيمة. دخلت علينا على حين غفلة منا كما دخل الصندوق العجيب التلفاز منذ زمن بعيد فأودى بأرواح الفئام بل الملايين و لا يزال. كيف نسلم من براثنها المحكمة بل و كيف ننسل من أدوائها كما تسل الشعرة من العجين و هل هي شر كلها؟
نبدأ بالشطر الأخير من السؤال و نقول بعد حمد الله أن الشر مستشري بين ثنايا الشبكة غير أن خيرها أيضا كثير لمن يحسن اقتناصه و النهل من معينه. ، نؤكد على عجر و بجر الشبكة فنبدأ بالشر تأسيا بسيدنا كاتم سر رسول الله صلى الله عليه و سلم، الذي كان على عكس غيره، يسأل عن الشر كي يجتنبه. ففي صحيح البخاري/ باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة (ج 13 / ص 25): -7084 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن جابر حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني "أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.."(الحديث) سل عن الشبكة كل شراب بأنقع، من خبر فلواتها و احتسى مياهها و سيق إليه عذبها و عذابها فخيم عليه الغم و الهم حينا من الدهر وجاشت نفسه جيشانا، هذا إن كان قلبه لا زال بالحياة ينبض، أو على النقيض من ذلك ضحك ملء فيه و أكل ملء بطنه و أزاح ما ألم به بيسر عجيب كما يصرف ذبابة عن وجهه ولكن لا تعجبن فما لجرح بميت إيلام. قلنا أن الشر مكشر عن أنيابه تقريبا في كل شبر من شبكة المعلومات التي صيرت العالم قرية صغيرة و ذاعت ذيوعا غريبا في المنازل ومقرات العمل وعلى شاشات الهواتف، بل حتي في البوادي النائية. فالجهاز الصغير Modem الذي ينقل المعلومة ويربط حاسبك الآلي مع غيره أصبح يباع عند بقال الحي مع الجبن. فلن تذر الشبكة بيت مدر و لا وبر إلا دخلته تماما كما فعلت قبل ذلك الهواتف المحمولة و الأطباق اللاقطة.
قد تحيل الشبكة العابد الزاهد في بضع ثوان إلى فاسق ماجن، هذا أمر لا ينتطح حوله عنزان و لا يختلف بشأنه اثنان. وكأين من بيوت دمرت كان الوئام فيها سائدا و التفاهم فيها مهيمنا وكأين من شبان و شابات فسدت أخلاقهم.فما أن تفتح موقعا من المواقع حتى تباغتك الصور الخليعة الفظيعة و تأتيك عروض الخنا طالبة ضرب موعد تفرق بين المرء و زوجه و تمرغ الفطرة النقية في الوحل. بنقرة على زر الفأرة المطيعة تدخل إلى متاهات، من نافذة إلى نافذة و من رابط إلى آخر حتى يسيل اللعاب و يذهب اللباب و يضيع الإيمان و يسود الجنان. الوقت، عفوا العمر، يضيع بالجملة فلا تنفع العبرة يوم الحسرة و لا الاعتذار يوم العرض على الجبار. عروض لارتكاب الفاحشة و تفرج على العورات و أخذ و رد مع البنين و البنات. فما يسمى ب " التشات" (chat) مثلا لا يجدي نفعا و لا يثمر خيرا إلا نادرا لأن كلمة chat ذاتها ، بلغة الروم فعلا كانت أو اسما، عارية عن معنى النقاش و الحوار البناء المفضي إلى نتائج و نكت لطيفة، مباينة لأطايب الكلام المنتقى من قبل السلف كما ينتقى أطايب الثمر. إذا بحثت في المورد لمنيرالبعلبكي(إنجليزي-عربي ) تجد أن chat (ص 169) تعني يتحادث في غير كلفة(يعني مع صديق غالبا لمدة طويلة و حول ما لا يهم ) في حين أن discuss (ص 279) يعني يناقش، يدرس، يبحث بتفصيل، فشتان ما بين الفعلين. حُق ل chat أن تترجم"دردش" كفعل و دردشة كاسم، فالدردشة في المعجم الوسيط لأحمد الزيات و آخرين (ج 1 / ص 579/من المكتبة الشاملة/النسخة الإلكترونية) اختلاط الكلام و كثرته. لا تجد_للأسف_ إلا عبارات هابطة و شتائم سافلة و قدحا في الأشخاص وتطاولا على الحرمات.
فهذه غرفة للمدخنين و هذه للسحاقيات وتلك للشاذين جنسيا من الذكور و رابعة للإلحاد و خامسة للإيمان و أخرى لفئة أكبر من 18 سنة خاصة باستعمال الكاميرات التي تكشف المستور و تتجاوز الحدود، تدنس المقدس و تهون المنكر و تطمر المعروف. مجموعة من الفاشلين اجتمعوا من شتى الأصقاع لا يحسنون سوى الكلام النابي و سب النبي و ربه الباري لا سيما إذا عرفوا أنك مسلم تتوضأ و تتطهر! أما "الفيديو" ((video فحدث و لا حرج فكل ما لا يخطر لك ببال تجده هنالك في أسرع وقت و أغلبه افتراء و افتئات و تتبع للعورات و العثرات. و مغربنا العزيز_ بالإضافة إلى دول مسلمة أخرى كبلاد الحرمين_مشوه على الشبكة أيما تشويه حتى أنك أصبحت تستحيي أن تقول أنك مغربي فما أن تضع "المغرب" في أحد محركات البحث المشهورة حتى تفاجأ بمناظر يندى لها الجبين و يتفتت لها القلب أسى و كأن المغرب هو البلد الوحيد في العالم الذي يعج ببنات الهوى. و الإشكال أن كثيرا من الناس من فرط غفلتهم عن عيوبهم هم و حبهم للشماتة بالآخرين يلتقطون صورا لغيرهم في أوضاع مشبوهة بغير علمهم و يضيفون إليها أشياء غريبة عنها و الناظر إليها ببلادة و سذاجة لا يفهم التدليس الذي حدث و يشرع هو كذلك بالترويج لها و الدال على الشر كفاعله. و لك أن تتخيل الكم الهائل من الوزر الذي جناه الكل في هذه العملية التي سطت على الحقوق و شوهت البلاد و العباد.
فيا أخي إن كنت لا تستطيع فعل الخير و ليس عندك حتى نيته فكف على الأقل شرك عن غيرك! ترى ما الدواء بعد ذكر بعض الداء؟ ما هي حبة البركة التي تداوي أدواء الشبكة؟ كيف نفلت بجلدنا سالمين غانمين و نستفيد دون أن نحيد عن السبيل ؟ أولا وقبل كل شيء و ربحا للوقت الغالي و درءا لأي تيهان لا بد و أن تدون قبل أن تتصفح الشبكة ما تود القيام به في شكل نقط أمامك و تحدد المدة الزمنية التي ستقضيها. ثق بي إن أنت فعلت ذلك ستحس أنك تحقق إنجازات متوالية و تقطع أشواطا؟؟. كذلك عليك أن تغلق على الفور الإشهارات المتكالبة من كل فج سحيق. ثالثا، يستحب تثبيت برنامج يصفي و يمنع المواقع المشبوهة الموبوءة لكن الإشكال أنها تمنع أحيانا حتى بعض المواقع الإسلامية النافعة. رابعا، إذا وردت رسالة على بريدك الإلكتروني يستحلفك صاحبها أن ترسلها على التو بعد قراءتها فلا تلتفت إلى ذلك بل تأكد من صحة الأحاديث و الأذكار و تبين صدق الأخبار فرب محب للأجر يعب الوزر عبا و السبب عدم تثبته. خامسا ، ما أكثر المخربين hackers الذين ينتجون برامج تدمر القرص الصلب لحاسوبك مرة و للأبد أو تتلف كل المعلومات فيه بمجرد أن تفتح بريدك، فاقرأ بين الحين و الآخر آخر التحذيرات التي تتوصل بها من محبي الخير و ما أكثرهم. سادسا، احذر تمام الحذر من الرسائل، و ما أكثرها، التي تخبرك بأنهم أجروا سحبا دون سابق معرفة بك ففزت بمبلغ 500 ألف دولار مثلا فيجب إذن أن تعد الإجراءات و الوثائق اللازمة كي يرسلوا لك المبلغ، فلا تصدقن ذلك و لا تضيعن وقتك سدى فمن هذا المعتوه الأبله الذي يصرف هذه المبالغ الطائلة من أجل سواد عيونك؟!
لا تلتفتن إلى أشباه هذه العروض فإنما هي ضحك على ذقنك و استدراج لغصب مالك بدم بارد! الحرب سجال بين الخير و الشر حتى أن حكمة الحكيم جل في علاه اقتضت أن يتناطح الحق و الباطل إلى أن تشرق الشمس من مغربها. قال تعالى "و أما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" (الرعد/17) فالشر لا يختلف كثيرا عن الزبد الذي سرعان ما يضمحل وأما الخير فثابت ثبات النخلة التي لا يقتلعها أعتى ريح. فبإمكان المرء أن ينمي قدراته من خلال هذه النعمة و هذا الزخم الهائل من المعلومات كل في ميدانه. علاوة على ذلك، بمقدور الإنسان أن يحسن مستواه الأكاديمي و يحصل على شواهد عليا عن طريق الدراسة عن بعد. كذلك، يمكن أن يصل رحمه و يتفقد إخوانه الذين طالما جالسهم فالحرص على الصلة يزيد في الرزق ويبارك في العمر و حسن العهد من الإيمان. أضف إلى ذلك أنه بإمكانه أن يشارك في المنتديات و المدونات النافعة التي لا تخل بالآداب و الأعراف. يا باغي الخير لن تعدم حاجتك من الشبكة و لن تنصرف إلا و قد قضيت وطرك منها بشرط صفاء النية و سلامة الطوية قبل البدء. ثم ألا يجدر بأستاذ المعلوميات أن يغوص في مجاله غوصا يغترف من نهر الخير، يبتكر البرامج و يصمم المواقع المدرة للحسنات الماحية للسيئات و لا يكون تلميذا مجتهدا فيكتفي كغيره من رجال التعليم بالدرس الذي يعده قبل أن يلج الفصل! حتَام نكتفي باستهلاك المعلومة و التحديث بها في المحافل و المجالس ألا نكون من المبدعين أساتذة و مهندسين حتى نكثر من الخير و نضيق دائرة الشر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق