29 يناير 2011

أخي العزيز أي تحفيز في بلدنا العزيز؟!

رشيد لعناني
هسبريس : 25 - 10 - 2010
رب بنت شفة مثبطة للهمم قاصمة للعزائم مفسدة للقلب تمرق من سجنها فلا تعود كاللبن إذا فارق الضرع لا يدري صاحبها ماذا اجترح و لا ما اقترف؛ بالمقابل، رب بنت شفة أخرى محفزة للإرادة

شاحذة للهمة تحدث في المرء الأعاجيب فتنبسط الأسارير و تتهلل الوجوه و تسعد القلوب و هي كذلك قد يلقي صاحبها لها بالا و قد لا يلقي. قبل أن نعمق النقاش في الموضوع أعتذر مسبقا عن الإطالة و لكن من عشق العسل كان لزاما عليه أن يصبر على وخز إبر النحل.

و كما قرر علماء الأصول بالمثال يتضح المقال. دعوني أحكي لكم من وحي الواقع قصتين مثبطتين و واحدة محفزة فالله المستعان و عليه التكلان. و لا شك أن لكل واحد منكم قصة تحاكي ما وقع. نرجع بالذاكرة عقدا من الزمان و نصف إلى الوراء حيث كان صاحبنا في شرخ الشباب، يغلي الدم في عروقه، قتل مادة تخصصه بحثا و دراسة و إبداعا، فاق أقرانه بأشواط كثيرة، لطالما أشار إليه بنان الأحبة و العدا و رمقوه بأعينهم من بعيد و تكلموا عنه شاهدا و غائبا. أنهى دراسته و تألق من بين الكثرة الكاثرة من أترابه و خلانه لكن ارتطم بالأزمة الخانقة في البلاد وقتئذ فاضطر أن يذوق شيئا من البطالة، الشيء الذي لم يستمرئه و لم يستسغه كل من يعرفه من زملاء الدراسة.

في الفترة التي تجرع فيها كأس البطالة على مضض، لا لذة فيها تذكر و لا منظر يروق و لا لون فاتح يجذب النفس، ارتأى أن يقف عن كثب على مضمار آخر ألا و هو ميدان الترجمة الواسع، خضم متلاطم الأمواج، عميق الغور بعيد الشقة لا يقوى عليه كل من هب و درج. انكب على كتاب متوسط الحجم ينتمي إلى مجال "الفكر الإسلامي" إن صح التعبير، يفتت أوصاله و ينقل معانيه من لغة الضاد أجمل اللغات و أعذبها و أرقها إلى لغة بلير وتاتشر لسان الملايين في عالم اليوم. لما أوشك على إنهاء الترجمة بعد شهور من العمل المضني و المؤرق اتصل بصاحب العمل متوسما فيه الخير و متفائلا أن يشد على يديه نحو بوابة النشر. تجشم عناء البحث عن الكاتب المشهور الذي نحجم عن ذكر اسمه صونا للحرمات و احتراما للأشخاص مهما فعلوا و لعله إن تواضع و كلف نفسه قراءة المقال يتذكر يوم قتله لصاحبنا المسكين المذبوح بلا سكين!

جد في البحث، متشبثا بالأمل مرتديا خلعة التفاؤل، حتى عرف منزل كاتبنا بالعاصمة الإدارية. دق الباب فخرج الدكتور الكاتب المفكر الطاعن في السن يجر رجليه ببطء. أول شيء تلفظ به " لماذا لم تخبرني سلفا فقد شرع في ترجمته أحد الأساتذة؟" أجاب صاحبنا مستغربا مشدوها "و من يكون؟" معتقدا أنه معروف مشهور لامع، له من المصنفات ما تنوء عن حمله خزانة البيت وله من المحاضرات ما يملأ ثنايا الشبكة العنكبوتية في هذا العصر الإلكتروني بحيث لا تفلت اسمه كل محركات البحث و تهافتت عليه الفضائيات المحترمة بحيث ألف وجهه المشاهدون أجمعون أكتعون أبتعون أبصعون ، سيرته على كل لسان و سمعته تلقفتها كل الآذان. قال ببرودة عجيبة غريبة "أستاذ بالثانوي التأهيلي!" ولم يزد شيئا.

انهد بنيان صاحبنا و اندرس في صمت و غرق في لجج الإحباط المميت. أطلق القنبلة و داس على الذبابة أمامه و كأن شيئا لم يكن ثم بشره بالصفعة الأخيرة قبل أن يرجع أدراجه متسائلا " و أنت ماذا تصنع في هذه الحياة؟" أجابه صاحبنا على التو "لاشيء!" مستشكلا السؤال. لم يقل له مثلا "حسن، هات عملك ولنعرضه على أهل الاختصاص ثم ننظر ما يرشح من ملاحظاتهم و لعل الأمر تكون عاقبته خيرا. لماذا لا نحسن سوى لغة الذبح و الجرح والرشق و الخنق و العزل والقتل ولا نجيد فن الرتق بعد الفتق؟ و لحد الآن لم يسمع صاحبنا أن الكتاب خرج إلى حيز الوجود في قطر من الأقطار أو صقع من الأصقاع أو مصر من الأمصار!

كاتبنا هذا أهون من الذي يليه أيها القارئ الذكي الأريب النجيب الذي يقرأ بين السطور ليخرج الكنز المخبوء و السر المطمور. و قبل عقد من الزمان بالتمام و الكمال أعاد صاحبنا الكرة مع كاتب آخر من مغربنا العزيز له عدة كتب منشورة. ترجم له كتيبا، إلى لغتنا الأجنبية الثانية لغة الملكة إلزابيت، عنوانه اسم لحدث بارز آنذاك. فلما أكمل العمل بحث دون جدوى عن الكاتب الدكتور المرموق و كأنه يبحث عن إبرة في كومة من القش أو غراب في ليل لائل دائخ دامس. حصل على هواتف كثيرة للمعني بالأمر كلها ترن و لا من يرد. غريب أمر هؤلاء أهذه ثمرة العلم؟ و هل علم هؤلاء من العلم النافع الذي ينفع هنا و هناك بعد أن يوارى المرء الثرى و ييأس منه الحبيب و الحفيد؟

بعد مشقة عارمة يحاول صاحبنا ربط الاتصال بكاتبنا الموقر الذي لا يظهر له أثر و كأنه ليس من بني البشر يأكل الطعام و يمشي في الأسواق و يعيش في بيت وبر أو مدر. سلك سبلا أخرى من خلال صديق للمعني بالأمر، فبعد كثير إلحاح و طول انتظار وعده أن الخبر سيصل و أن المشكل سيحل. عجبت لأناس و ما أكثرهم في بلدنا الحبيب العزيز يشمون الهواء الذي نشم لكن يستنكفون عن مشاركتنا الزيت و الخبز و الجلوس معنا القرفصاء على أديم الأرض! لابد أنكم تنتظرون مسك، عفوا شؤم ختام هذه القصة فدونكم النهاية. في يوم من الأيام اتصل بصاحبنا من خارج المغرب الشخص الذي شفع قائلا:" إنه ( أي الكاتب ) يجلس بجانبي و إنه يأذن لك بالنشر.فقط أرسل له نسخة عندما تنهي كل شيء!بالله عليكم هل سمعتم بإذن شفاهي في أمور كهاته! أنعم به من تحفيز قاتل مجمد للدم في للعروق! لم يكلف نفسه حتى مخاطبة صاحبنا عن بعد و كأنه أجرب سيعديه و يؤذيه. يدوسون على الناس بنعالهم و ما يشعرون. الله وحده يعلم كم المعاناة التي يعانيها طلبتهم من جراء الغياب المتكرر في المؤتمرات و اللقاءات التي لا حد لها و الكلام النابي و الخلق الجافي.

انظروا إلى لون من ألوان التحفيز الذي ليس له نظير في بلدنا العزيز. إن كنت حاصلا على شهادة أكاديمية عالية في بعض التخصصات في جامعة مرموقة بماليزيا يتراوح راتبك ما بين 1500 دولار و 4200 دولار علاوة على التعليم المجاني الراقي لثلاثة أطفال حتى سن 18 و الرعاية الصحية المجانية في مصحة الجامعة و خصم ضريبي على الراتب يبلغ 20% و تسهيلات مغرية لامتلاك منزل و سيارة و ختاما تذكرة الطائرة عند العودة و نهاية العقدة بالمجان.

أما الواقعة المثلجة للصدر التي نزلت على صاحبنا بردا وسلاما كالبلسم الشافي و الترياق المداوي هي المحاولة الموفقة التي أنجزها للرجل المفضال، لا أخلى الله مكانه و لا فض فاه و لا نثر أسنانه، من أهل وجدة الغراء عاصمة المغرب الشرقي. لما علم هذا الأخير بخبر الترجمة فرح فرحا شديدا و رحب بالأمر وطالب بالنسخة الأصلية يعمل فيها أهل الدراية في المجال نظرهم فأعجبوا بها أيما إعجاب وسلكت سبيلها نحو النشر حسب الممكن و المتاح. و شاء المولى جل في علاه أن تكون هذه المحاولة سابقة للمحاولة المثبطة المذكورة آنفا و إلا لما خط حرفا واحدا بعدها و فعلا ما زاد ولو نقطة بعدها و لا زالت مسودة الترجمة مركونة وسط ركام من الأوراق في ركن من أركان بيته. أما هذا الرجل العزيز على قلب صاحبنا فما زالت علاقته به إلى الآن سارية يمدها الود و الاحترام المتبادل.

إن المحاولات الجادة الهادفة، في الغالب الأعم، تسد الطرق في وجهها بينما التي تنفث السم و تبث الشر و تنشر الفحش و الصفاقة يصفق لها بحرارة. و يجدر بنا ألا ننسى موظفي التعليم الذين عدموا التحفيز لا سيما الإخوة في التعليم الابتدائي الذين يتوقون إلى إكمال دراستهم الحق المشروع المكفول بالميثاق و المخطط الاستعجالي و الدستور لكن يصطدمون للأسف الشديد بصخرة الحضور. أعرف من يضرب أكباد إبل هذا العصر ليسجل نفسه في الجامعة ولكن يقابل بالرفض بدعوى البعد و عدم الحضور للدروس كلها. من هؤلاء من راكم خلال سنين عمله شهادات عدة لمختلف الشعب المعروفة و بنقط متميزة.

هل متابعة الدراسة حلال على أهل الرباط وما جاورها حرام على المنبوذ في الصحاري النائية المرابط في الفيافي الخالية؟ ولماذا ربات البيوت الحاصلات على الإجازة إن أردن استكمال الدراسة طولبن بباكلوريا جديدة و كذا الأستاذ الذي عمل عشرين سنة و أراد يحرز شهادة جامعية في شعبة أخرى يطالب بالجلوس مع تلاميذ تلاميذ تلاميذه على نفس المقعد؟! و هل من تحفيز ذي بال للتلميذ الذي يحرز أول نقطة على الصعيد الوطني في امتحانات البكالوريا؟ لائحة التعجيز و التركيع ذيلها طويل و أكثر من أن تذكر هاهنا.

رحم الله من تواضع لعظمته و رفعه و وضع من تطاول على العباد و أخره. رحم الله من عرف قدره فجلس دونه. فليتق الله هؤلاء المتعالون في من دونهم و ليعوا أن الدال التي تسبق أسماءهم كانت ذالا و من قبل لم تك شيئا و أنها أي الدال كثيرا ما تنال في هذا الزمن بشكل مشبوه مدخول مغشوش إلا من رحم ربنا. و ليعلموا أن الأيام دول و لله در أحد الشناقطة الأحرار حينما قال:

وكم رأينا ذليلا بعد عزته **من عزه بالموالي أو بالأموال

متى تفز بموالاة الإله يدي**فعادي أيها المخلوق أو والي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق